- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

وهب بن منبه (34-110)

قلعة هراة الشهيرة

قلعة هراة الشهيرة

وهو الإمام، العلامة الإخباري القصصي، التابعي الجليل, قدوة من الزاهدين, غزير العلم, فياض الحكمة, شديد التواضع لله تعالى, ولعباده المؤمنين, الذي طارت شهرته في الآفاق والأنصار, ومختلف الديار.

اسمه و نسبه:
وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار, أبو عبدالله الابناوي, اليماني, أخو همام بن منبه, ومعقل بن منبه, وغيلان بن منبه.
كان وهب من ذرية أبناء فارس الذين أرسلهم كسرى إلى اليمن مع سيف بن ذي يزن, الحميري القحطاني, للخلاص من حكم الحبشة الذين طغوا في البلاد, واستطاع سيف أن يستعيد ملك آبائه وأجداده, ويقضي على سلطان الحبشة, وكان ذلك قبل البعثة المحمدية بقليل.
بعضهم آثر العودة إلى فارس, والبعض الآخر طابت له الحياة في اليمن فأقام فيها؛ وكان ممن بقى آل وهب0
اختلطوا بأهل البلاد, وامتزجوا بهم, وتزوجوا من نسائهم, وعاشوا عيشهم, وتأثروا بنمطهم, فغلبت عليهم نزعة العربية في أكثر أمورهم 0 وكانت أم وهب عربية صميمة 0 وحيث إن اليمن كانت مسرحا لتقلب الحضارات من (قحطانية ) إلى (يهودية ) إلى (نصرانية), فقد حفلت بالكثير من مخلفات تراث تلك الأمم, ومعتقداتها, وأساطيرها. واطلع الكثيرون من أبنائها على ذلك التراث وتأثروا به, ومن ثم ظهر في أقوالهم.

مولده:
ولد وهب بن منبه فى صنعاء, سنة(34) من الهجرة, وكانت أمه عربية حميرية, وعاش طفولته الأولى مكبا على طلب العلم. ولقد أوتي ذهنا وقادا, وحافظة واعية, و ميلا شديدا إلى دراسة التاريخ. فاطلع اطلاعا واسعا على كتب الأوائل, واستغرق فيها, وتأثر ببعضها, وبدا ذلك في ما خلفه لنا من تراث واسع عريض. وكانت صنعاء موطنه الأول والأخير, ولكن ليس موطنه الأصلي بل كان أصله من فارس (مدينة هراة).

 هَرَاةُ:
من أمهات مدن خراسان، وهي اليوم من مدن أفغانستان. وإليها ينسب كثير من العلماء منهم أبو عاصم محمد بن أحمد الهروي المتوفي سنة 458 هـ، وغيره من العلماء.
وقال ياقوت الحموي:
مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان, لم أر بخراسان عند كوني بها في سنة 607 مدينة أجل ولا أعظم ولا أفخر ولا أحسن ولا أكثر أهلاَ منها فيها بساتين كثيرة ومياه غزيرة وخيرات كثيرة محشُوَة بالعلماء ومملؤة بأهل الفضل والثراءِ وقد أصابها عين الزمان ونكبتها طوارق الحدثان وجاءها الكفار من التتر فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان فإنا لله وإنا إليه راجعون وذلك في سنة 618.
 قال الرُهني: إن مدينتها بنية للإسكندر وذلك أنه لما دخل الشرق ومر بها إلى الصين, وكان من عادته أن يكلف أهل كل بلد ببناء مدينة تحصنهم من الأعداء, فيقدرها ويهندسها لهم وأنه أعلم أن في أهل هراة شِماساً وقلة قبول, فاحتال عليهم وأمرهم أن يبنوا مدينة ويحكموا أساسها ثم خط لهم طولها وعرضها وسَمك حيطانها وعدد أبراجها وأبوابها واشترط لهم أن يوفيهم أجورهم وغراماتهم عند عوده من ناحية الصين, فلما رجع من الصين ونظر إلى ما بنوه, عابه وأظهر كراهيته وقال: ما أمرتكم أن تبنوا هكذا فرد بناءهم عليهم بالعيب ولم يعطهم شيئاً. وفي هراة يقول أبو أحمد السامي الهروي:
هراة أرض خصبها واسع … ونبتها اللُفاحُ والنرجسُ
ما أحد منها إلى غيرها ……. يخرج إلا بعد ما يفلسُ
ويقول فيها الأديب البارع الزوزني:
هراةٌ أردت مقامي بها … لشَتّى فضائلها الوافرة
نسيم الشمال وأعنابها … وأعين غزلانها الساحرة

أساتذة وهب بن منبه:
لقي رجالا من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم و
أخذ عن ابن عباس، وأبي هريرة – إن صح – وأبي سعيد، والنعمان بن بشير، وجابر، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص, ومعاذ بن جبل.
لكن شخصية ابن عباس رضي الله عنه كانت أشد تأثيرا عليه, خصوصا فيما برع فيه, وهو التفسير.

تلامذته:
حدث عنه ولداه: عبد الله وعبد الرحمن، وعمرو بن دينار، وسماك بن الفضل، وعوف الأعرابي، وعاصم بن رجاء بن حيوة، ويزيد بن يزيد بن جابر، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وإسرائيل أبو موسى، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق، والمغيرة بن حكيم، والمنذر بن النعمان، وابن أخيه عقيل بن معقل، وابن أخيه عبد الصمد بن معقل، وسبطه إدريس بن سنان، وصالح ابن عبيد، وعبد الكريم بن حوران، وعبد الملك بن خلج، وداود بن قيس ، وخلق سواهم.
وروايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الاسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب.
لا شئ في " الصحيحين " لوهب بن منبه سوى حديث واحد، عن ابن منبه، عن أخيه، سمعت أبا هريرة يقول: ليس أحد أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب.

ثناء العلماءعليه:
قال أحمد: كان من أبناء فارس، له شرف.
 قال العجلي: تابعي ثقة، كان على قضاء صنعاء.
وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة.

صفاته وخلقه:
لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئا فيه الروح، ولبث عشرين سنة لم يجعل بين العشاء والصبح وضوءا.
قال وهب: لقد قرأت ثلاثين كتابا نزلت على ثلاثين نبيا.
عن عبد الصمد بن معقل، قال: صحبت عمي وهبا أشهرا يصلي الغداة بوضوء العشاء.
وروى عبد الرزاق بن همام، عن أبيه، قال: رأيت وهبا إذا قام في الوتر قال: لك الحمد السرمد، حمدا لا يحصيه العدد، ولا يقطعه الأبد، كما ينبغي لك أن تحمد، وكما أنت له أهل، وكما هو لك علينا حق
قيل لوهب: إنك يا أبا عبد الله كنت ترى الرؤيا، فتحدثنا بها فتكون حقا ! قال: هيهات، ذهب ذلك عني منذ وليت القضاء.
يقول: كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتابا من كتب الانبياء، في كلها: من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر، فتركت قولي.
وكان وهب بن منبه يختلف إلى هراة، ويتفقد أمر هراة .
جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال: قد حدثت نفسي أن لا أخالط الناس، قال: لا تفعل، إنه لا بد لك من الناس، ولا بد لهم منك، ولهم إليك حوائج ولك نحوها، ولكن كن فيهم أصم سميعا، أعمى بصيرا، سكوتا نطوقا.

شهرته:
أخذت الحكمة والموعظة طريقها من قلب وهب ولسانه إلى أسماع وآذان الناس, ليس في صنعاء أو اليمن وحدهما, بل طارت في الآفاق والأنصار؛ وتناقلها الناس, ورووها كابرا عن كابر, وتردد اسمه في محافل المجتمعات.

من أقواله:
قال لعطاء الخراساني: كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم، فكانوا لا يلتفتون إليها، وكان أهل الدنيا يبذلون دنياهم في علمهم، فأصبح أهل العلم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في دنياهم، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم.
وعنه: دع المراء والجدل، فإنه لن يعجز أحد رجلين: رجل هو أعلم منك، فكيف تعادي وتجادل من هو أعلم منك ؟ ! ورجل أنت أعلم منه، فكيف تعادي وتجادل من أنت أعلم منه ولا يطيعك ؟ !
 قال: العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيمه، والصبر أمير جنوده، والرفق أبوه، واللين أخوه.
وعن وهب: المؤمن ينظر ليعلم، ويتكلم ليفهم، ويسكت ليسلم، ويخلو ليغنم.
و قال: ثلاث من كن فيه أصاب البر: السخاء، والصبر على الاذى، وطيب الكلام.
قال وهب بن منبه: استكثر من الإخوان ما استطعت، فإن استغنيت عنهم لم يضروك، وإن احتجت إليهم نفعوك.
وعن وهب: إذا سمعت من يمدحك بما ليس فيك، فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك.
قال وهب: طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه، طوبى لمن تواضع لله من غير مسكنة، طوبى لأهل الضر وأهل المسكنة، طوبى لمن جالس أهل العلم والحلم، طوبى لمن اقتدى بأهل العلم والحلم والخشية، طوبى لمن وسعته السنة فلم يعدها.
عن وهب: الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه، وإذا سكت فضحه عيه، وإذا عمل أفسد، وإذا ترك أضاع، لا علمه يعينه، ولا علم غيره ينفعه، تود أمه أنها ثكلته، وامرأته لو عدمته، ويتمنى جاره منه الوحدة، ويجد جليسه منه الوحشة.

الإسرائيليات:
ومع بزوغ فجر الإسلام انضوت اليمن في مسيرته, وأصبحت ركنا مهما من أركان دولته, ومرجعا علميا لمن أراد أن يستزيد من المعرفة, خصوصا في أواخر الخلافة الراشدة, إذ أتاها بعض الصحابة رضوان الله عليهم وأقام فيها, وكذلك الطبقة الأولي من التابعين.
ونبغ فيها طائفة من العلماء الأفذاذ, وظهرت ظاهرة الإسرائيليات علي السنة الكثيرين من هؤلاء العلماء, إذ تأثروا بما شاع وذاع وانتشر في ربوع البلاد علي مدي حقبات طوال من السنين.
وهي آراء تمس جانبا من العقيدة, أوالتفسير أو التاريخ, طابعها العام الأسطورة. والرواية المقطوعة السند. كثيرها فج ممقوت, و قليلها مقبول غير مردود.
وعليه, فقد انشغل نفر من علماء التابعين, ومن جاء بعدهم, في تنقية العلوم الإسلامية من شوائب الإسرائيليات وتصنيفها, ورد الغث منها, و نفيه.
وكان وهب رضي الله عنه ممن حملوا علوما كثيرة, وذخيرة وفيرة, جلها إسرائيلي المورد والمصدر, ولكنه لم يتورط, كما تورط غيره, في الدس والافتراء, إذ عول في أكثر ما خلفه علي الاهتمام بالتاريخ, والموعظة, والنص و الإرشاد.

وفاته:
ولما حان حينه ودنت ساعته, وكان عنده الكثيرون من أحبابه وأصحابه وتلامذته, سأله أحدهم فقال: علمني شيئا ينفعني الله به.
قال: أكثر من ذكر الموت, وأقصر أملك, وخصلة ثالثة إن أنت أصبتها بلغت الغاية القصوى.
قال: ما هي؟
قال: التوكل. ومن يتوكل على الله فهو حسبه, وكفى بالله وكيلا.
مات سنة عشر ومئة.
_
    

 

بقلم / الشيخ عبدالحميد  نور

________

ابن عساكر 17 / 480 ب.
معجم البلدان – (ج 4 / ص 312)
سير أعلام النبلاء – (ج 4 / ص 552)
تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير – (ج 2 / ص 403)