- سني أون لاین - http://sunnionline.us/arabic -

طقوس شهر محرم في إيران

Image
في بداية الأمر كانت تنحصر الطقوس الحسينية في شهر محرم في العشرة الأولی من هذا الشهر لاستذكار الحدث والتعبير عن الحزن بالبكاء ولطم الصدور، ثم أخذت بالتوسع حيناً بعد حين عندما أراد الشيعة البحث عن عبادات يخالفون بها بني أمية، ولذلك سعوا إلی ضرورة الأخذ بها، فجعلوا لها لباساً يميزهم عن الآخرين وهو السواد.

أما الشكل الشائع لعاشوراء علی النحو المعروف لنا في الوقت الحاضر تعود جذورها إلی القرن العاشر للهجرة، عندما اعتلی الصفويون سدة الحكم في إيران واتخذوا من التشيع عقيدة رسمية لدولتهم، ومع الوقت تطورت هذه الشعائر؛ وزاد في الأمر الشاه اسماعيل الصفوي، فقام بإعلان الحداد الكامل في العشر الأول من محرم، وكانت هناك احتفالات خاصة يجتمع فيها الجماهير ويحضرها الشاه بنفسه، كما أن الشاه عباس الأول الصفوي والذي استمر حكمه خمسين عاماً كان يلبس السواد يوم عاشوراء ويلطخ جبينه بالوحل ويتقدم المواكب التي تسير بالشوارع وهي تنشد أناشيد الرثاء للحسين واللعن لبني أمية.

تطورت الأساليب للعزاء عند الشيعة من مجرد البكاء ولطم الصدور والنياحة إلی ضرب الأكتاف والظهور بالسلاسل وشق الصدور والتطبير وضرب الرؤوس بالسكاكين وإخراج الدماء مع قصائد الحزن وكلمات الرثاء لأهل البيت وقد حثهم أكثر العلماء والمراجع علی ممارسة هذه الأساليب إلا بعض المراجع المتأخرين حيث ذهبوا إلي تحريم التطبير خاصة، لما فيه تشويه للمذهب.

وأما الطقوس التي نشاهدها في إيران أيام محرم فنذكر بعضاً منها في هذه العجالة.

هذه الأيام والليالي ليست كنظيراتها من سائر الأيام في المناطق التي يوجد فيها الشيعة وخاصة في إيران، بل ترتدي إيران اللباس الأسود بحجة الحداد علی استشهاد الحسين رضي الله عنه ( سبط الرسول صلی الله عليه وسلم ) وتبدأ المحافل ومجالس المآتم والنياحة من بداية شهر محرم في كل مدينة وقرية يعيش فيها الشيعة.

إذ تدخل مدينة من المدن الإيرانية تری الأعلام السوداء فوق كل مكان، كتب عليها « ياحسين » و« يا أبا الفضل العباس » وتری اللافتات أمام الدوائر الحكومية تعزي الشيعة بذكری استشهاد الحسين رضي الله عنه؛ ولاينحصر إلصاق هذه اللافتات علی الجدران والشوارع فحسب، بل يتم إلصاق كثير منها علی السيارات.

من بداية الشهر تفتح المساجد والحسينيات مكبرات الصوت وخاصة في الليل وتنشر عن طريقها البرامج الخاصة والمآتم، وكثيراً ما يسبب هذا الأمر في إزعاج الآخرين.

وأما الحوزات العلمية ( المدارس الدينية الشيعية ) فتتهيأ لهذه الأيام من قبل وترسل وفودها ومبلغيها إلی مختلف المناطق حتی يبينوا للجماهير حكمة النهضة الحسينية والأهداف التي كان يريد الحسين رضي الله تحقيقها واستشهد دونها، ويحثون الناس علی إقامة ذكری استشهاد الحسين بالمآتم والنياحة والبكاء والعويل وضرب الصدور باليد أو بالسلاسل.

وإذ ندنو من يومي تاسوعا وعاشوراء، نری في الشوارع والأزقات مواكب العزاء وخاصة في الليل وتغلق الشوارع حتی يسهل سيرهم من وسط الطريق.

تبدأ مواكب العزاء سيرها من الحسينيات في صفين من جانبي الطريق ويضربون أكتافهم وظهورهم بالسلاسل ويشاركهم في هذا العمل كثير من الأطفال، ويتحرك أمام المواكب وفد يضربون الطبول، ويتحرك وفد وسط الصفين يحملون أعلاماً وصوراً بزعم أنها صور الحسين ويفتحون مكبرات الصوت حتی يعلم الجيمع أن الموكب يمر من هذه المنطقة.

وأما المآتم في الحسينيات فلاتخلو من الخزعبلات واللعن حيث يفعلن المخالفون ويقال: اللهم العن الأول والثاني، اللهم العن أول ظالمي آل محمد وغيرها من الكلمات.
 في يوم من هذه الأيام العشرة تقام مراسيم تحضر فيها الأمهات مع أطفالهن الرضع لإحياء ذكری مظلومية عبدالله الرضيع المسمی بـ « علي الأصغر » ويبكين عليه بالنحيب والعويل واللطم.

وأما في يومي تاسوعا وعاشوراء فيبلغ الأمر ذروته وتمتلئ الشوارع التي تشهد التجمعات بالرايات السوداء والعبارات المختلفة وتتحرك المواكب من صباح  هذا اليوم في الشوارع.

تختار مواكب اللطم منشدين يقومون بقراءة قصائد النعي في الوقت الذي يلطم فيه المشاركون.

في هذا اليوم توزع أنواع الأطعمة علی الآخرين نذراً وتقرباً إلی الأئمة.

وفي مساء يوم عاشوراء لهم مراسيم خاصة تسمی بـ « مساء الغرباء » حيث يجتمعون في الحسينيات أو في أماكن خاصة مثل المنتزهات العامة ويوقدون الشموع ولكن مع الأسف يختلط الرجال مع النساء والخلط بين الجنسين تام، ويقولون: كما أن هناك اختلاط في مكة والأمر جليل بحيث لايلتفت الرجال للنساء، فهذا الموقف أجل وأعظم ولذالك لايلتفت الجنسان بعضهم لبعض.

في السنوات الأخيرة قام بعض المراجع الدينية الشيعية بإصلاح كثير من الطقوس، منهم قائد الثورة في ايران (آية الله خامنئي) حيث نهی عن التطبير وضرب الرؤوس بالسكاكين ورسم الصور المزعومة للحسين.

هناك امور تثير التسائلات وتحير أصحاب القول، منها: أنه في عاشوراء يوم قتل الحسين رضي الله عنه و أهل بيته عطشاً وجوعاً، وبينما أهل السنة يصومون هذا اليوم، يقوم الشيعة بتوزيع الحلوی وإقامة أطيب أنواع الموائد للطعام والشراب !!! مع أنه قد ثبت صيام يوم عاشوراء بروايات ثابتة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ولكن لانری لها ذكراً عند علماء الشيعة وإنما يذكرون المآتم فقط.

من سائر الأمور التي تحير أصحاب العقول أن النياحة قد ثبتت حرمتها في كثير من الأحاديث الصحيحة ولكن لازالت تمارَس كعبادة عظيمة ويحث عليها علماء الشيعة؛ من هذه الأحاديث، ما رواه البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلی الله عليه وسلم: « ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوی الجاهلية ».

هنا نستعرض بعض الروايات من كتب الشيعة المعتمدة في مذهبهم حول النهي عن النياحة:

1-  قال محمد بن علي بن الحسين الملقب عند الشيعة بالصدوق: « من ألفاظ رسول الله التي لم يسبق إليها: النياحة من عمل الجاهلية ». (وسائل الشيعة 12/915، بحار الأنوار 82/103)

2- ما رواه الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: « نهى رسول الله وآله عن الرنة عند المصيبة ونهى عن النياحة والاستماع إليها ». (وسائل الشيعة 2/915 )

3- عن رسول الله وآله قال: « صوتان ملعونان يبغضهما الله أعوال عند مصيبة وصوت عند نعمة، يعني " النوح والغناء». (مستدرك الوسائل للنوري 1/144، بحار الأنوار 82/101)

4- ما جاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: « لا يصلح الصياح على الميت ولا ينبغي، ولكن الناس لا يعرفون ». (الكافي 3/226 ، الوافي 12/88، وسائل الشيعة 2/916 )

5- في كتاب الإمام علي عليه السلام إلى رفاعة بن شداد: « وإياك والنوح على الميت ببلد يكون صوت لك به سلطان ».  (مستدرك الوسائل 1/144 )

6- عن الصادق عليه السلام قال: « من ضرب يده علی فخذه عند المصيبة حبط أجره ». (وسائل الشيعة 2/914 )

7- عن أبي عبد الله عليه السلام: « لا ينبغي الصياح على الميت ولا تشق الثياب ».( الكافي 3/225 ، وسائل الشيعة 2/916 )

8- قوله لفاطمة حين قفتل جعفر بن أبي طالب: « لا تدعي بذل ولا ثفكل ولا حزن وما قلت فقد صدقت ». (من لا يحضره الفقيه 1/112، الوافي 13/88، وسائل الشيعة 2/915)

9- عن أبي سعيد أن رسول الله صلی الله عليه وآله "لعن النائحة والمستمعة".( مستدرك الوسائل 1/144 )

10- عن أبي جعفر عليه السلام قال: « أشـد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر، وجز الشعر من النواصي، ومن أقام النواحة فقد ترك الصبر، وأخذ في غير الطريقة ».( الكافي 3/223 ، وسائل الشيعة 2/915، بحار الأنوار 82/76)

أما النهي عن اللطم ففيه أحاديث وردت من طرق الشيعة؛ منها:

1- ما عن أبي المقدام قال: سمعـت أبا الحسن وأبا جعفر عليهما السلام يقول في قول الله عز وجل "ولا يعصينك في معروف"، قال: إن رسول الله صلی الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام: « إذا أنا مفـت فـلا تخمشي عليّ وجها ولا ترخي عليّ شعرا ولا تنادي بالويل ولا تقيمن عليّ نائحة »، قال: ثم قال: هذا هو المعروف الذي قال الله عز وجل  "ولا يعصينك في معروف". (وسائل الشيعة 2/915-916، مستدرك الوسائل 1/144 )

2- عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل "ولا يعصينك في معروف" قال: « المعروف أن لا يشققن جيبا ولا يلطمن وجها ولا يدعون ويلا ولا يقمن عند القبر ». (تفسير نور الثقلين 5/308، مستدرك الوسائل 1/144 )

3- ما سبق إيراده عن أبي جعفر عليه السلام قال: « أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وحز الشعر من النواصي ».

4- قول الحسين عليه السلام لأخته زينب: « يا أختاه أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا هلكت ». (مستدرك الوسائل 1 /144 )

5- قوله: « ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ». المصدر نفسه

ويقوم  الشيعة بلبس السواد في محرم حدادا على الحسين  رضي الله عنه، جاهلين أو متجاهلين قول الإمام علي عليه السلام فيما أمر به أصحابه: « لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون ». (من لا يحضره الفقيه 11/163، وسائل الشيعة2/287 )

وما أجاب به الإمام الصادق عندما سئل عن الصلاة في القلنسوة السوداء فقال: « لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار ». (من لا يضره الفقيه 1/162، وسائل الشيعة 2/281 )

وفي رواية عن الإمام الصادق: « ولا يقيمن عند قبر ولا يسودن ثوبا ولا ينشرن شعرا ». (تفسير نور الثقلين 5/308، مستدرك الوسائل 1/124 )

وفي رواية عن الصادق عن رسول الله صلی الله عليه وسلم: « لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها، ولا تنتفن شعرا، ولا تشققن جيبا، ولا تسودن ثوبا ». (تفسير الصافي 5/166، تفسير نور الثقلين 5/307 )

الملا محمد باقر المجلسي عن الصادق عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله وآله نهى عن الرنة عند المصيبة ونهى عن النياحة والاستماع إليها ونهى عن تصفيق الوجه. (بحار الأنوار 82/104 )

في الأخير نسأل الله وندعوه: اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته